يحتل محمد عودة مكانة القديس لدى عدد كبير من الناصريين، ورغم ذلك فالرجل كتب عشرات المقالات عن فنانيين وتشكيليين كان يراهم بذور التنوير فى الستينات وطالب بالحفاظ عليها لئأنها جواهر لا تتكر، وكتب محمد عودة مقالا بديعا عن الفنان عبد الغنى أبو العينين ربط فيه بين بعثة النور إلى باريس التى قام بها رفاعة الطهطاوى وبين وجود هذا الفنان الشاب ـوقتهاـ عبد الغنى أبو العينين ، وقال إن هذا الفنان يحمل بداخله ست شخصيات مصرية تحتاج كل منها إلى مؤلف.. والمؤلف واحد.. هو هذا الرسام، (أبو العينين .. كما يلقبه أصدقاؤه وزملاؤه ومريدوه وتلاميذه وهم عديدون حميمون وبلا حصر… عالم واسع شاسع لأبعد مدى ولآخر الأفق وهو أكثر من ست شخصيات تحتاج كل منها إلى مؤلف، ولكن تخرج جميعاً من تحت عباءة الفنان الرسام).
وكان ظهور أبو العينين ( 1 يناير 1929 ـ 15 أبريل 1998 ) ثورة فى عالم الإخراج الصحفى، فقد أعاد بناء الكلمة والخط والصورة مستخدما الظل والنور ،فلم يكن يقرأ مقالا أو تحقيقا أو خبرا إلا ويضع له صورة ويحول كلماته إلى رسومات وألوان ـ كما يقول الناقد الراحل عز الدين نجيب فى الكتاب الوحيد الذى صدر عن أبو العينين ـ فمازالت الذاكرة البصرية تحتفظ بلوجهات ( روز إليوسف، الغد، الأهالى) .
وأبو العينين ـكما يقول محمد عودةـ رسام يعتنق فنه وينذر له حياته ، وهو لا يرسم لمتعته الخاصة ولا يزين قصور الأغنياء أو صالونات الأجانب ولكنه يرسم أولا وأخيرا بحثا عن نفسه، عن أصوله وجذوره.. وعن شعبه وأهله ، وعن ينابيع الخلق والابداع التي تتدفق أو تكمن فيهم والتي ينهل منها ثم يرد الجميل ويضيف إليها .
وأبو العينين أحد الرموز الساطعة “للثورة” الثقافية المصرية العريقة والتي انطلقت شرارتها منذ مائتي عام، ولا تزال متقدة مضيئة، والتي أرسى دعائمها وأسسها إمام أزهري استوعب أفضل ما في الغرب، ووصل بين الحضارتين وشق الطريق الذى سار عليه من جاءوا بعده… وليس آخرهم “أبو العينين”.
واليوم وبعد كل هذه السنين مازالت أعمال عبد الغنى أبو العينين متناثرة فى بيوت الأصدقاء وكثير منها مجهول ولا نمتلك من أعمال هذا الفنان سوى عدد قليل جدا من اللوحات، ومن حسن الحظ أن مقال محمودة عودة كان مدعوما بعدد من اللوحات التى ننقلها لكم بعيداً عن الأعمال المزيفة المنتشرة على فيس بوك لهذا الفنان الكبير الذى يستحق اهتماما من الدولة ومن أصدقائه وهم عشرات فى الوسط الصحفى والثقافى.. وننتظر جديدا فى ذكرى رحيله 15 إبريل.