وقد يعيش الإنسان حيوانا حتى يكتشف أن كل هذا الجمال صنعه عبقرى مصرى اسمه رمسيس ويصا واصف!، ولا أكذب عليك فقد كنت أنا هذا الحيوان الذى لم يشاهد روعة العمارة المصرية فى كنيسة مارجرجس والأنبا ابرام بمصر الجديدة إلا موخراً!،وكنت أظن ـ وبعض الظن إثم بالطبع ـ أن رمسيس ويصا هو مشروع ومدرسة الحرانية فقط!!، وإن ذُكر اسم الرجل جاء مقرونا بالرحمات ومحفوفا بتلك القرية التى اختارها وسط الفلاحين والفقراء ليظل اسمه خالدا مع أحلامه التى عاش من أجلها ، فهو رفيق المعمارى الكبير حسن فتحى فى إحياء التراث المصرى ،وكلاهما ذهب إلى النوبة وعاد مفتونا بنموذجها المعمارى الفطرى ، وكلاهما عاش صدمة عدم قبول الناس بنماذجهما فى عمارة الفقراء ، وكلاهما قريب الشبه لدرجة أنك تكاد تنطق اسم الغائب منهما ، لكن شهرة حسن فتحى فاقت شهرة رمسيس ويصا رغم أن إنجازات الثانى فى العمارة أكثر ، إلا أن رمسيس كان عازفا عن إجراء الحوارات أواللقاءات الصحفية ، وأنت إن تأملته فى الصور القليلة المتوفرة له ستجد شخصا خجولا راضيا بما هو فيه ومتواضعا للغاية أمام كل هذا الإنجاز العبقرى فى هذه الكنيسة المذكورة أو فى كنيسة المرعشلى بالزمالك أو فى متحف محمود مختار الذى يفيض بالسكينة والبراح فى هندسته المعمارية التى تليق بالعظيم الخالد .
أقول لك يا صديقى أننى عشت سنوات طويلة معتقداً معرفتى بالمعمارى المصرى الكبير، حتى اكتشفت معك الآن أن رمسيس ويصا واصف ليس مجرد مشروع الحرانية رغم عبقريته وأصالته واستحقاقه لجائزة الأغاخان ، إلا أن الرجل نفسه يستحق أن يأخذ مكانته كمعمارى مرموق وأن يهتم أساتذة الفنون الجميلة فى الجامعات بجماليات العمارة فى أعمال رمسيس ويصا واصف ، ويستحق أن يتوقف المثقفون عن شهقة الحزن وتأوهات الشجن كلما ذُكرّ اسمه ، فهو مهدورالحق ومظلوم ظلم بيّن بسبب تلك النبرة!، فقد ترك تراثا عريقا أكبر بكثير من مشروع الحرانية ، وأظن أن تأمل فنون العمارة فى كنيسة مارجرجس بمصر الجديدة سيجعلنا نعيد النظر فى الهوس بما فعل مايكل إنجلو فى كنيسة سستين ، فلدينا عبقرى مصرى صنع تحفتين معمارتين فى كنيستى الزمالك ومصر الجديدة لا يقلان شأنا عما فعل الإيطالى مايكل أنجلو عبقرى عصر النهضة فى أوربا ، عاش رمسيس ويصا حياة حافلة ،ومات راضيا تمام الرضا تاركا عبقريته على جدران الخلود، ويستحق هذا الميراث الثقافى الكبير أن نقدمه لأجيال المعماريين والفنانين الشباب ، وليس المقصود هنا المقارنة بين حسن فتحى ورمسيس ويصا أو تفضيل أحدهما على الآخر فكلاهما عاشق ومعشوق فى فنون العمارة المصرية ، وإنما المقصود هو إلحاق عبقرية هذا الفنان الكبير باسم صاحب عمارة الفقراء ربما ينال نفس القدر من الشهرة بين جموع المعماريين والمثقفين فى مصر والعالم .
أستاذ شادي عبد السلام الذي هتف المصريون بأسم والده…في ترجمان الأشواق