شادي عبد السلام
مثل الخضرة والماء والوجه الحسن ، وإن كانت الأخيرة لا تنطبق على واحد من الثلاثة فى الملامح الشكلية إلا أن الروح قد تغفر الكثير لأنف داوود المعكوف بنبل العظماء وشحوب شادى الذى يشبه روح أجداده الفراعنة وضآلة جسد أنسى التى تجعله خفيفا كريشة من المحبة والفن ، ثلاثة جمعهم الله سبحانه لجيلنا البائس الفقير ليتجدد الأمل وتنطلق الأحلام ، كان فيلم الكيت الكات ثورة فى عقولنا ومعتقداتنا البصرية عن الصورة وجمالياتها ،كان فن الرواية قد داسته كعوب النجمات فعاد متألقا بأفيش هو الأورع أيضا للشيخ حسنى وهو يضع الجلباب فى فمه ويقود الموتوسيكل طائرا فى الهواء ومعه طارت عقولنا نحن أبناء جامعة القاهرة والمنيا وبنى سويف وسوهاج والأقصر فى التسعينات.
شادى عبد السلام لا علاقة له بالفيلم الذى أدهشنا ، لكنه الأستاذ والمعلم الذى جلس أنسى أبو سيف بين يديه يتعلم كيف يقص القماش وكيف يقرأ السيناريو ويرسم مشاهده لوحة لوحة ، تعلم كيف يجعل المكان هو البطل ،يقول أنسى عن تلك المرحلة :
لم أكن أعلم حين التحاقي بمعهد السينما كأحد تلاميذ المعهد أني سوف أكون تلميذا لهذا العملاق النحيل القوام الرهيف الحس.. الواسع الثقافة (شادي عبد السلام) فقد كنت أحد تلاميذه بالسنة الثانية قسم الديكور حيث بدأت الدراسة معه في هذه السنة، ومن حيث لا أدري سرعان ما كنت أحد مريديه بمكتبه الخاص الكائن بشارع 26 يوليو, والذي كنت أتردد عليه باحثًا ومستمعًا أنا وبعض زملائي كانت رؤية شادى لعالم السينما والديكور وللصورة بوجه عام وحياً إلهيا ، قفز بالصورة وحررها من جمودها المعتاد ، وهو ما تعلمه أُنسى بدقة متناهية فى (الكيت كات ) ولو لم يأت الكيت كات ومعه داوود عبد السيد ما شاهدنا تلك التحفة الفنية التى تتجلى فى الحارة المنقولة بالحركة والهفوة والقهوة وحركة البايعين من أمبابة حيث مكان الرواية إلى الأستوديو ، كان المكان هو البطل بلا شك ، وكان داوود عبد السيد لا يحلم سوى بوجود مكان تتحرك فيه الشخصيات كما يحب لها وكما رسمها فى خياله بعد قراءة جيدة لرواية إبراهيم أصلان (مالك الحزين ) التى تعامل معها بحرفية كبيرة تجاوزت حدود المكتوب إلى المعنى والفكرة التى تجعل البصيرة أحلى وأقوى وأجمل من البصر ، طار الشيخ حسنى بأحلامه وحكاياته من البيت الذى ورثه عن والده إلى شقة الواد سليمان ومنها إلى كورنيش النيل وحنين الغناء وأخذنا معه فوق السحاب بموسيقى
شاهدت هذا الفيلم فى السينما مع أصدقاء الجامعة ( سيد خلف ومحمد شندى وسيد محمود وياسر عبد الفتاح وصبرى السماك ومحمد عامر فاضل وكثيرين ممن لا تسعفنى الذاكرة باسمائهم ) ثم شاهدته بمفردى مرات لا أذكرها ،وشاهدته مرة واحدة مع عز الفيومى رحمه الله فى شقة المنيب التى كانت مفتوحة لكل جيل التسعينات فى جامعة القاهرة على مختلف مشاربهم وعقائدهم ، وكان القائد والمعلم عز الفيومى أستاذنا جميعا حتى ولو بالبلطجة وطولة اللسان وكان ينعم بهما رحمه الله رحمة واسعة ،وقد لفتّ نظرى ـ رحمه الله ـ إلى اللون الازرق فى كل مشاهد الفيلم فإن لم يكن حائط المقهى، فهو فى الخلفية عند مناشر الغسيل ، وإن غاب تماما عن المكان وجدت شخصية ترتدى اللون الأزق حتى يصل اللون إلى جماله الآخاذ فى زرقة النيل،وأذكر أنى أرسلت إلى صديق الطفولة والدراسة محمود عبد العليم الكائن بمحافظة المنيا كى يسرق خمس جنيهات من أى
داوود عبدالسيد
مكان ويذهب إلى السينما ليشاهد (الكيت كات ) ،حالة من البهجة والحيوية دبتْ فى أوصال جيلنا بظهور هذا الفيلم الذى حفر أسمى داوود عبد السيد وأُنسى أبو سيف فى وجداننا وجعلنا نبحث عن ثالثهما العبقرى شادى عبد السلام ، أما إبراهيم أصلان فكان قد حفر لنفسه جسرا واسعا بمجموعته البديعة ” بحيرة المساء، قبل أن تُسكرنا نشوة ( وردية ليل ) وما بعدها، الغريب والمدهش أن يوسف شاهين لعب دورا كبيرا فى استكمال هذا الفيلم ، ليصبح الكيت كات وليد كل هؤلاء العباقرة.
ولكن كيف تشكل وتكون عالم الحارة وظل طازجا حتى تكاد تشم منه رائحة دخان الحشيش والمعسل السلوم مخلوطا بالقرفة والينسون وروث الفراخ وأفران العيش؟، كيف انتقلت إمبابة إلى الشاشة ؟، ولماذا أهدى داوود عبد السيد الفيلم إلى فنان الديكور أنسى أبو سيف ؟!
أنسى أبو سيف
إقرأ أيضاً:
اللينك عن غرزة البيرة وموتسيكل الشيخ حسني……في ترجمان الأشواق
محظوظ من يحظي بعطف قلمك أيها المبدع الجميل، ما اروع تلك البهجه التي استشعرها حينما تقع عيني على حروفك البهيه
الله ينور
عندما يصبح القلم ربشة ترسم بهجة ابداع كل هؤلاء المبدعين المتحررين من سطوة الثقافة السائدة فى شارع مختطف ومأزوم … عرسص رائع استاذ اشرف جعلتنا نقرأ وكأننا فى قلب الحدث