حارة الكيت كات
لولا يوسف شاهين ما تم تنفيذ ديكور حارة الكيت الكات أصلا! ، فقد أصيب أنسى أبو سيف بالإحباط بعد أن رفض مدير استوديوهات النحاس تنفيذ شروطه بإزالة حارة قديمة داخل الاستوديو لبناء ديكورات تستوعب حارة الكيت ومعها عدد من شوارع إمبابة ، وكان الاتفاق بين مدير الاستوديوهات والمنتج الأستاذ حسين القلا ينص على ذلك بحيث تتحمل الشركة جزءً كبيراً من التكلفة وتصبح ديكورات الفيلم ملكاً لهم ، لكنه فوجىء برفض إزالة الجزء القديم وكان قد رسم ديكوراته على أساس المساحة كاملة ، وهنا دارت به الدنيا وكاد حلم الكيت أن يضيع .
يقول أنسى أبو سيف إنه بعد التسكع فى شوارع إمبابة بصحبة داوود عبد السيد لمدة ستة أشهر تقريبا لاستيعاب تفاصيل المكان باعتباره (البطل) بخصوصيته وتفاصيله ،بدأ فى التخطيط وانتهى من التصور الكامل للمكان وسط سعادة بالغة من دواوود عبد السيد ،وحمل رسوماته وذهب إلى أستديو النحاس حسب اتفاق مسبق بين الشركة والمنتج حسن القلا ، لكنه فوجىء برفض إدارة الاستوديو لهدم الجزء القديم من المساحة التى تم الاتفاق عليها مما يجعل مهمة بناء الحارة المرسومة أمراً مستحيلاً ، يقول أُنسى : ( أصابنى الاحباط ،وتوجهت بسرعة إلى داود وحسين القالا طالبًا منهما حل المشكلة،و اقترحت على حسين القلا عرض المشروع علي يوسف شاهين الذى كان يمتلك أو يؤجر أستوديو جلال في ذلك الوقت بحيث يشارك في تكلفة الحارة وتصبح ملكًا للأستوديو، عرضت هذا الاقتراح علي يوسف شاهين بعد موافقة حسين القللا ،ووافق شاهين وأعاد الحلم من جديد ، وكان من الطبيعى أن أعيد بناء الديكورات حسب المساحة الجديدة التى اختلفت بالطبع عن تلك التى كانت فى استديو النحاس والتى كانت تتيح لى مساحة أكبر خاصة وأن حوش الأستوديو هناك يطل على يطل علي مبان عشوائية أيضًا توفر خلفيات الحارة ، لذلك بدأت فى تجهيز تصميمات جديدة وبقيت مشكلة عدد شوارع الحى التي تقلصت في المساحة الجديدة وقد عالجتها كالأتي: بنينا مساحة الحي والذي بني خصيصًا لمشهد الموتوسيكل, والمساحة نفسها تؤدي إلي شارع طويل يبدو كاملًا وعميقاً في طوله وبداية شارع أخر يختفي عمقه من زاوية الرؤية، والشارع الطويل به كل صفات مباني حي إمبابة والكيت كات فهو ضيق جداً وتكاد الشرفات تلامس بعضها،وفي الجانب الأيمن من الشارع والذي يحوي شبابيك وأبواب وبلكونات اخترت وحدة مباني تفتح كالباب بمفصلات ومحمله علي عجل فإذا ما فُتحت واستقرت عموديًا علي الحائط الرئيسي للشارع بدت للناظر( أو الكاميرا) من هذه الزاوية وكأنها بداية شارع متعامد علي الشارع الرئسي ،وهكذا أعطيت إحساسا بوجود شارع آخر في هذه المساحه ،كما تم بناء واجهة بيت من دورين حمل علي ألواح خشبية بأربع عجلات يمكن جرها في أي زاوية يريد تغير معالمها،ووضعت هذه البناية لتداري عمق المساحة فبدت وكأنها شارع أخر ،كانت بداية الشارع الرئيسي علي ناصية ضريح صغير يؤدي إلي شارع به غرزة شرب البيرة، كما كان في نفس الشارع الرئيسي جزء لا يظهر منه إلا إذا صور من زاوية منحرفة قليلاً وهو الجزء الخاص بمحل الفول، وهكذا تحايلنا علي المساحة الضيقة وحققنا الإحساس بحجم كبير ذو شوارع عديدة وقد بلغت تكلفة هذا الحي قرابة الخمسون ألف جنيهاً .
وبالطبع كانت هناك ديكورات أخري بالفيلم مثل شقة الشيخ حسني وراعيت فيها بساطة التصميم بحيث يمكن للشيخ الأعمي حفظ خطواتها وهي تتكون من صالة تفتح علي غرفة الأبن ثم ممر ضيق فيه حجرة الشيخ حسني وأمامه الحمام ودورة المياه. وراعيت في حجرة الابن أن أبني أمام الشباك خلفية لمبني مقابل وكان حجرة وبها شرفة أوقف فيها المخرج واحده بتمشيط شعرها فأعطي واقعية للمكان حيث أن تلك المباني قريبة من بعضها بشكل ملفت للنظر شقة حبيبة الابن (يوسف) هي نفس شقة الشيخ حسني مع تغيير معالمها المعمارية واللونية والإكسسوار فالكوريدور الذي به حجرة الشيخ حسني ودورة المياه والذي كان ينتهي بشباك علي المنور تحول إلي مدخل بيت الحبيبة وأصبح الشباك هو باب المدخل ووضعنا أمامه سلمًا صاعداً فكان هو بير السلم.
حارة بونابرت
داوود عبد السيد : أهديتُ الكيت كات لشريك أحلامى
وحكاية أنسى وداوود عبد السيد أكبر من مجرد إهداء الفيلم ، وقد نجح الكاتب سيد سعيد فى كتابه (أنسى أبو سيف ..واحد من البناءين ـ إصدرات صندوق التنمية الثقافية 2004 ) فى الكشف عن أبعاد تلك العلاقة التى جمعت بين المخرج الكبير ومهندس الديكور ومصمم المناظر الكبير أنسى أبو سيف ، فقد كتب داوود عبد السيد مقالا طويلا نشره الكاتب سيد سعيد كاملا فى الكتاب، وإليك مقتطفات منه تلخص الكثير مما يجمع بين الفنانين الكبار وتقدم تجربة مهمة لأجيال تحتاج أن تتعلم كيف تكون احترام الفن للفن وكيف يمكن للتجارب أن تكون عالمية لو تكاملت الرؤى بين عناصر العمل .
في البدايه اعتقدت انني مخرج لم يجد من يشاركه بالكتابة فكتب نصوص أعماله… ثم تدريجيا اكتشفت انني غالبا لا أتجاوب مع ما يكتبه غيري… ليس رفض.. بل عدم قدرة علي التجاوب ربما لأنه لا يعبر عن ما بداخلي… ولكني مؤخرا اكتشفت انني لست كاتبا ولا مخرجا… ولكن أنا مجرد صانع أفلام يصيبه الرضا عندما ينجز فيلما كما تصوره… أما الاكتشاف الأخير فقد كان انني لست صانع أفلام… بل أنا شريك في صنع الأفلام… وعرفت أن أول الشركاء وأهمهم هو أنسي أبو سيف.
شحاذون ونبلاء
في تلك الأيام من بداية ستينات القرن الماضي كنا مفعمين بأحلام كبيرة وآمال عظيمة… أحلام القوة وآمال التقدم تغذيها إنجازات العصر الناصري وشعاراته في التحرر والتقدم والوحدة… أغمضنا عيوننا عن غياب الديمقراطية وتجاهلنا عدم الكفاءة وتواطأنا بالصمت علي ممارسات غيرإنسانية… ولكن عذرنا أننا كنا في بداية مرحلة الشباب لم نكمل العقد الثاني من عمرنا… وان الحياة اليومية كانت أقل قسوة بكثير مما نعيشه اليوم.
في تلك الأيام وتحديدا في عام 1963 عرفت أنسي أبو سيف… كان الحب أيامها يجمع ما بين البشر… كان قد ترك كلية الفنون الجميلة ليلتحق بمعهد السينما واضعا رهانات حياته علي ذلك الفن العظيم (السينما). لا أدعي أنه كان صديقا منذ البداية… كان زميل دراسة ولم أعرف أنه فيما بعد سيكون شريكا في رحلة الأيام والسينما.
شاي مع داوود
بعد العام الشهير 1967 وهو بالصدفة القدرية هو عام تخرجنا, كنت قد بدأت أول محاولاتي للكتابة السينمائية, وكانت دوافعي هي محاولة لاكتشاف النفس والقدرة وتسكين شكوك عميقة بخصوص مدي صلاحيتي لكي أصبح مخرجا سينمائبا.. وكانت الأسئلة هي ما حجم الموهبة. وقوة الدافع, ومدي الخيال, وعمق الفكر؟.. كنت قد قررت أن أكون صادقا مع نفسي.. فشهادة دراسية لا تعني شيئا حقيقا في الفن… والقدرة علي إخراج أفلام مصرية كالتي نشاهدها ليست مبررا لإضافة مخرج جديد للسوق.. ولا ذنب للشماهد في طموح شاب يافع ساذج في أن يصبح مخرجا.. ما لم تكن هناك إضافة حقيقة تقدمها فلا داعي للدخول إلي المسرح, ولو لم تكن صاحب دورا تواري خلف الكواليس وانسحب من المكان بلا ضجة خارجا من الباب الخلفي وعش حياتك مع البشر باحثا عن أكل العيش واترك الفن لحاله… فوجودك سيضيف أعباء وخروجم سيخفف أحمال.
في هذه الأيام رحت أكتب كالمحموم وأبحث عن جمهور لأفكار أرير أن اعرف هل هي مؤثرة؟.. هل هي واضحة؟.. هل هي أصيلة؟.. وبحثت وسط الزملاء والأصدقاء.. بعضهم استمع مجاملة أو فضولا أو تأدبا أو إشفاقا, أما أنسي فقد استمع اهتماما.
مع اصدقاء الدراسة
عندما تنتهي من كتابة سيناريو وتبدأ رحلة تحقيقه ستجد ثلاث فراغات كبيرة عليك أن تملأها… الأول هو اختيار الممثلين… عليك أن تجعل من الشخصيات المتخيلة والموصوفة شخصيات وأجسار لها درجة حرارة حوالي 37 رىجة مئوية, وطريقة حديث ونبرات صوت ونظرات مميزة, وأن تكون هذه الاختيارات متآلفة معا… اما الثاني فهو الجانب المرئي والتشكيلي… يجب أن تبحث عن الشمس التي ستضئ هذا الفيلم… شدة الضوء ولونه ومساحة الظلال ودرجاتها… ولحظات أو مراحل اليوم من الفجر ستضئ هذا الفيلم… وألوان الحوائط والأثاث والإكسسورات والملابس… ثم الطرز المستخدمة والمختارة سوائ في الملابس والإكسسورات والعمارة والديور… وهذا الجانب من أصعب جوانب تحقيق الأفلام, خاصة في ظل الإنتاج السنمائي المصري. والثالث هو التكوين الصوتي… نوع المءثرات والأغاني المستخدمة والمةسيقي التصويرية من حيث تكوينها ونوعية أصوات الآلات ودلالتها وأماكن استخرام الموسيقي أو الروح الأثيرية للفيلم.
في المرحلة الأولي أنس أبو سيق هو المستشار الاساسي… وفي الثانية هو شريك أساس في بعض الجوانب وصاحب الأمر في جوانب أخري… وفي المرحلة الثالثة هو صاحب رأي عند مشاهدة نسخة العمل. ومع كل فيلم جديد نستكشف مساحات جديدة في رحابة أنسي أبو سيف… وترك مدي غناه.
لمشاهدة ألبوم الصور إتجه إلي معرض الصور
أفلام أنسى
ساهم أنس في السينما المصرية بتصميم ديكورات الأفلام:
1- يوميات نائب في الأرياف- إخراج توفيق صالح 1969
2- أوهام الحب- ممدوح شكري 1970
3- قصة صورة- في فيلم صور متنوعة- مدكور ثابت 1972
4- الشيطان والخريف- أنور الشناوي 1972
5- وعادت الحياة- نادر جلال 1976
6- شيلني وأشيلك- علي بدرخان 1977
7- قصر في الهواء- عبد الحليم نصر 1980
8- حكمت المحكمة- أحمد يحيي 1981
9- عيون لا تنام- رأفت الميهي
جمال ودلال