بدأ أحمد رجب فى تدبير “المقلب” داخل مكتبه بمجلة الجيل وكتب فى ساعة ونصف مسرحية عبثية تنتمى إلى مسرح اللامعقول بأحداثه الغريبة وحواراته غير المفهومة وشخصياته الهلامية وأهدافه المجنونة، واختار للعمل اسم “الهواء الأسود”، واتفق مع الناقد سعدالدين توفيق، رئيس تحرير مجلة الكواكب، وقتها،على نشرها باعتبارها أحدث إصدارات الكاتب السويسري العالمي، وأحد أبرز كتاب اللامعقول، فريدريش دورينمات.
وبعد النشر ـ وفقا للكاتب والصحفي أيمن الحكيم فى كتابه: “عزيزي أحمد رجب ـ أرسل “توفيق” أربع نسخ من -الهواء الأسود- لـ”النقاد إياهم”، وطلب منهم تحليلها فنيا ومسرحيا، وتقييمها نقديا، وبالفعل وقع النقاد الأربعة في الفخ وراحوا يكيليون المديح للمسرحية ومؤلفها العبقري، وكيف كانت ملئية بالرموز الفنية والدلالات العميقة والرؤية الثاقبة لعصره، وكيف شرحت أزمة الإنسان في العصر الحديث.
لم يعترف أحمد رجب أنه المؤلف الحقيقي للمسرحية إلا بعد أن تأكد من نجاح المقلب، وخرج عليهم ليقول إنه كتب “الهواء الأسود ” للسخرية من أدب اللامعقول ومن نقاده الذين يهللون له ويشجعونه رغم أنهم لا يفهمون مضمونه ومغزاه وأهدافه.
تصدير أحمد رجب للخارج
لأسابيع طويلة تحولت فضيحة “الهواء الأسود” إلى الموضوع الأساسي للصحف والمجلات، وكتب موسى صبرى، مقالا أسماه “مولد عبقري” نشره فى مجلة “الجيل” التى يرأس تحريرها، ليسخرمن النقاد الكبار الذين وقعوا في الفخ وشربوا المقلب، وكتب ساخرا: “ظلمت أحمد رجب، لسنوات يعمل معي سكرتيرا لتحرير الجيل، ولم أكتشف أنه عبقري أو في الحقيقة لم أعترف أنه عبقري، وظهرت كرامات أحمد رجب بين الفلاسفة نقاد ومخرجي المسرح، وأجمع صفوة النقاد في الشرق الأوسط على أن الرجل عبقري.. عبقري بالدراسة والعمق والتأميل والوراثة أيضا، وأنا بدوري أقترح تصدير أحمد رجب إلى العواصم الخارجية، سيكون موردا ضخما للعملات الصعبة وسيصبح مليونيرا، ستترجم مؤلفاته إلى جميع لغات العالم، وسيجد من أمثال (نقادنا إياهم) من يقلدونه أوسمة العبقرية والخلود”.
ويذكر “الحكيم” أن رجاء النقاش حكى له أنه أعجب فعلا بالمسرحية، فرغم ما فيها من عبث، إلا أنها كانت مكتوبة ببراعة كاتب مسرحي محترف، ولم يشك لحظة فى أنها مجرد مقلب، وأن أحمد رجب لو كتب نصوصا مسرحية بتلك البراعة لكان له شأن بين كتاب المسرح المصري.
اعتراف بتدبير الفضيحة
كتب أحمد رجب ساخرا من نفسه بعد أزمة مقلب “الهواء الأسود”: “أنا الموقع أدناه أحمد بن رجب،أقر واعترف أنني كتبت هذه المسرحية في مكتبي، وأن هذه المسرحية لم تكتب اطلاقا في لوزان ولا جنيف ولا زيورخ، وكتب هذه المسرحية الخالدة وأنا مصاب بنوبة ضحك شديدة، وأني كتبت المسرحية فى ساعة ونصف لا أكثر داخل مكتبي”.
بعد أسابيع من معركة “فخ أحمد رجب، كتب عباس العقاد: “هؤلاء النقاد المحترمين ينبغى أن يساقوا إلى محكمة التزييف لحماية الفكر الإنساني في هذه الأمة من وبال دهواه”.
أما الكتاب إحسان عبدالقدوس، علق الفضيحة قائلا: ” منذ أكثر من عامين كتبت عن (عقدة الخواجة)، التي تسيطر على معظم نقادنا، كل خواجة يستحق الاهتمام وكل عربي يستحق الاتهام”.
وكتب نعمان عاشور: “المسرح على عكس الفنون الأخري، فن لا يحتمل الادعاء، ويمرض الناقد قبل المؤلف”
وعلق أحمد عبدالمعطي حجازي:” وقوع 4 من النقاد فى هذا الخطأ الفادح يجب أن ينبهنا إلى أن الإحساس بالمسؤولية واحترام الثقافة شيئان نفتقر إليهما فى كثير من نشاطنا”.