أما الجد (آنى) فقد كان من كبار الأثرياء، وقرر أن يجعل من زوجته جدتك ( ثوثو) شريكةً له فى الحياة الآخرى حيث الخلود ، فجاء بناسخ أو كاتب ليرسم على البردية تفاصيل حياتهما التى يستعدان لها بمجرد دخولهما القبر ، تستطيع أن تعتبر ذلك مدخلك البسيط إلى (كتاب الموتى) وهو عبارة عن بردية طويلة جدا، تختصر فكرة الخلود عند المصريين،و البردية التى وجدت فى طيبة واشتراها أمين المتحف البريطانى عام 1888 ليست هى وحدها ما يفخر به المتحف البريطانى، لكن الأثاث الجنائزى لـجدك (آنى) وزوجته جدتك (ثوثو) يعد من أهم مقتنيات المتحف.
عشرات مثل جدك آنى سجلوا حيواتهم على برديات، لكن القدر العظيم خبأ لنا هذا الكنز الكبير لبردية تبلغ أطوالها 78 قدمًا وثلاث بوصات) لتصبح أهم فصول (كتاب الموتى) الذى ترجمه عن الهيروغليفية : السير : والس بدج، وترجمه إلى العربية مع الشرح والتعليق د. فيليب عطية وظهرت طبعته التى بين إيدينا عام 1988 عن دار مدبولى، وظهرت ترجمة آخرى مؤخرا عن المجلس القومى للترجمة بعنوان الخروج للنهار للدكتور شريف الصيفى الذى ترجمها عن الهيروغليفية مباشرة ولم يسعدنى الحظ بقراءتها بعد .
ومن المخجل أن يموت الإنسان قبل أن يعرف طرفا ولو بسيطا عن هذا الكتاب الذى أبهر العالم ولم يبهرنا!، ففى عام 1874 كانت هذه البردية حديث المؤتمر الشرقى المنعقد فى لندن آنذاك، واقترح المؤتمر تسمية الكتاب (بإنجيل المصريين)، ويذكر المترجم المصرى العظيم ( د.فيليب عطية ) فى تعليقاته: أن المؤتمر أصّر على مقترح تغيير اسم كتاب الموتى إلى إنجيل المصريين رغم أن المعنى اللغوى لكلمة الإنجيل غير متماشية مع نصوص الكتاب، إلا أن فريقا من كبار الدارسين والمتخصصين استشهدوا برؤية (سيبنوزا) الفيلسوف الشهير الذى أطلق مقولته الفريدة : إن كل كتاب يحث الإنسان علي الفضيلة والتقوى إنما هو كتاب مقدس)، ويبدو أن الحوار الذى امتد بين علماء الآثار حول الكتاب أغرى مدير المتحف البريطانى باقتنائه مهما كان الثمن وهو ما حدث فى 1888 .
أما لماذا طالب كل هؤلاء العلماء بتغيير اسم كتاب الموتى إلى إنجيل المصريين فيقول المترجم العبقرى فيليب عطية الذى أريدك أن تحفظ اسمه: إن الإبهار الذى أظهرته رسومات الكتاب لم يقتصر على تقدم صورة عن عبقرية الفنان المصرى فى تسجيل الخيال ونحته على الجدران وفى البرديات، ولكن الإبهار فيما ظهر من تأملات المصريين لكل عناصر الكون من بشر وحيوان وشموس وأقمار، فبوسع الروح الإلهية أن تنتقل من صورة إلى أخرى ويمكنها أن تعيش بكل صورها فى وقت واحد، فالروح المتألقة قد تتدفق لتعيش داخل صقرمجنح، ويمكنها أن تعيش فى جعران أو ثور، أما الطيور والحيوانات والزواحف والحشرات والأسماك فلكل منها دور فى مظاهر قوة الحياة..
علي أن موضع الإبهار الحقيقى فى كتاب الموتى يأتى من الحس الخلقى الذى نجده فى التكرار الملح لكلمة (ماعت) رمز الحق والعدل والصدق، التى ُتعد من أقدم التعابير المعنوية التى ابتدعها الإنسان، إن رهافة هذا الحس الخلقى هي التى جعلت المصرى لا يقتصر على مجرد إستنكار الكبائر(القتل،السرقة، الزنى.. إلخ) بل يصل به الرقى إلى حد إعتبار السعى وراء إنثى لإغوائها خطيئة والتعالى على الآخرين خطيئة والنميمة خطيئة واستراق السمع واختلاس النظرات خطيئة، ويتجلى كل ذلك فى فصل المحاكمة الذى أجمع علماء المصريات على أن ما جاء به من أرقى ما وصل إليه الحس الإنسانى فى تاريخ الشعوب .
البردية تحكى التفاصيل الدقيقة للميت بمجرد دخوله القبر فى رحلة من النور بين الخروج من ظلمة رحم الأم إلى الدخول فى حضن الأرض ، فالجسد يبقي في الأرض ليفني والروح تصاحب النفس في محكمة اوزوريس وتكمل مسيرتها إلي عالم الخلود واستمرار الحياة،فما أن يغلق باب القبر حتى تنفتح سفينة الروح التى ستحمله إلى سماواتها حتى يصل إلى قاعة الميزان، وتشرح البردية تلقين الميت،ثم رحلة البعث بعد خروج الروح من القبر إلى دخولها محكمة الآخرة: “أيها الراحل إنك لم تمت بل دخلت بأمر الله إلى القبر لتخرج من بابه الآخر لتلقى أوزوريس فى محكمة الآخرة )