كان (رمسيس ) واحداً من خمسة أشقاء لوالدهم المحامى الكبير ويصا واصف ( 1872 ـ 1931 ) عضو مجلس نواب والذى اُنتخب رئيسا للمجلس عام 1930 ، وكان ضمن الذين وقعوا الاحتجاج الشهير ضد نفى سعد زغلول ،وعندما وقع الخلاف الشهير بين النحاس والملك فاروق بسبب الدستور والذى قال فيه العقاد عبارته ( تسحق أكبر رأس تعتدى على الدستور ) وأقيلت وزارة النحاس بسببه ، كان ويصا أكثر صلابة وهو يرفض الانضمام إلى وزارة إسماعيل صدقى بل ويقف محرضا الجماهير ورافضا إسقاط وزارة النحاس بهذا الشكل،وانفجرت المظاهرات واطلق إسماعيل صدقى الرصاص على المتظاهرين ووضع حراسة مشددة على مجلس النواب ،فتقدم النحاس وسبقه ويصا وطلب من الحرس فتح الأبواب وبالفعل تحطمت السلاسل التى وضعها إسماعيل صدقى ،وفى مايو 1930 وبعد هذه اللحظة الملتهبة ،ودعت مصر ابنها البار المولود فى مدينة طهطا 1872 ، وكان هتافهم : لن نساك يا محطم السلاسل.
جنازة ويصا واصف
وفى هذا البيت وتحت رعاية هذا الرجل نشأ رمسيس ويصا ليجد نفسه فى ملتقى سياسى وفكرى ويقع فى غرام النحات محمود مختار الذى كان مقربا من والده ـ سيضع رمسيس تصميم متحفه فيما بعد ـ وقع رمسيس فى غواية النحت مثلما وقع فى غرام مختار ، لكن الوالد المثقف الكبير أقنعه بدراسة العمارة أم الفنون فى مدرسة الفنون الجميلة بباريس، وأثناء دراسته هناك لم يكن يقنع بالحلول الهندسية الجاهزة، وإنما كان يبحث دائما عن الحلول الجديدة التى وجدت من أساتذته تشجيعا ،كما كان دائم الفخر بالطراز المعمارى المصرى، مما دعاه إلى اختيار مشروع تخرجه عن منزل الخزف فى حى مصر القديمة ونال عنه تقدير الامتياز ،وعندما عاد رمسيس إلى وطنه شيد منزله على الطراز المصرى القديم الذى لم يجد قبولاً عند المواطنين بسبب عادات الزواج والرغبة فى تأثيث المنزل على النسق الأوربى.
بعد عودته من باريس عمل رمسيس في قسم العمارة بكلية الفنون الجميلة، فكان من رواد هذا القسم مع الرائد الراحل حسن فتحى، ومنذ اللحظة الأولى بدأ يجتذب تلاميذه لتذوق الطابع المصري القديم ، وكان الراحل شادى عبد السلام واحداً من تلاميذه المقربين الذين تأثروا به تأثيرا كبيرا بلغ مشاركة الأستاذ لتلميذه فى تطوير أفكاره وإمداده بالمراجع والمخطوطات ، ولعل هذا الأثر كان واضحا في اتجاهه وأسلوبه السينمائى، بل وفى اختيار موضوعات أفلامه نفسها (المومياء – الفلاح الفصيح)، وقد لاحظ الناقد والفنان التشكيلى الكبير صبرى منصور هذا الجانب فى تحليل فلسفة رمسيس ويصا المعمارة، فقد اختار ويصا الطريق مبكرا حين تم تكليفه ببناء مدرسة خاصة فى حى مصر القديمة ، كان ذلك عام 1941 ،وظل محتارا فى اختيار الطراز المناسب خاصة وأن والمكان المخصص للمدرسة قريب للغاية من مجمع الكنائس ،فشد الرحال إلى أسوان ومشاهدة بلاد النوبة التي فاجأه جمال بيوتها مثلما فعلت فى حسن فتحى ، وأيقن أن طرق البناء لم تتغير منذ العصور الفرعونية الأولى ظلت العمارة الشعبية مستمرة خلال الفن القبطي وأيضاً الفن الإسلامى ، ومن تلك الزيارة جاءت فكرة البناء بالطوب اللبن، وأحضر بنائين من أسوان قاموا ببناء المدرسة مع الاستعانة ببعض الحرفيين الموجودين بالقاهرة في أشغال الزجاج المعشق وأشغال الخشب،ومنذ تلك اللحظة والروح المصرية الشعبية تسيطر على أفكاره حتى نجح فى تطويع تلك الروح وكانت بداية تجربته فى النسيج اليدوى حين حصل على تصريح من إدارة المدرسة التى بناها بحى مصر القديمة عام 1941 بوضع عدد من أنوال النسيج كى يستعملها الأطفال بعد ساعات الدراسة ، واستدعى لهم نسّاجا من الحى يعرفهم طريقة النسيج، وكانت النتيجة مشجعة للغاية، فاستعان بثلاثة تلاميذ بعد تخرجهم من المدرسة ليقوموا تحت إشرافه بالنسج له.. وأقام عدة معارض لأعمالهم في القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية.. ولقد صمم على استمرار التجربة بين الفلاحين حين اختار قرية الحرانية التى كانت بمنأى عن أى تأثير للمدينة، وفى عام 1952 اشترى قطعة أرض خارج القرية لتأسيس ورشة تعليم فنون السجاد،وبدأت علاقته الإنسانية باطفال القرية، ،فعرف أسماءهم وشاركهم ألعابهم، وذات يوم سأل الأطفال إذا كانوا يرغبون في عمل بسيط لقاء أجر فوافقوه على الفور،ومنذ ذلك الحين بدأت مدرسة الحرانية للسجاد اليدوى فى إنتاجها الذى مر بمراحل عديدة، وتعدت شهرته مصر إلى خارجها ، حيث عرض فى مدن أوروبية كثيرة من أهمها المعرض الذى أقيم بمتحف الفن الحديث في استوكهلم عام 1960، والمعرض الذى طاف بمدن امستردام وأوسلو وكوبنهاجن عام 1962 و فى متحف الفن بميونيخ عام 1963، ثم فى باريس عام 1965.
فيلسوف العمارة المصرية
المهندس الذى صمم كنيسة المرعشلى ومسجد أبو رواش
إنه رمسيس ويصا واصف عبقرى العمارة المصرى الذى تم تجاهل أعماله المعمارية العظيمة ولم يحصل على ما يستحق فى هذا المجال وكأنه لم يصنع شيئا سوى مشروع الحرانية فقط! ، هو رمسيس ويصا واصف الذى يمكنك أن تضيف إلى تصميماته المعمارية الخالدة كنيسة مارى جرجس والانبا ابرام بمصر الجديدة ومتحف محمود مختار فى حديقة الحرية المواجهة لدار الأوبرا المصرية ،وكنيسة السيدة العذراء بالزمالك ( نال عنها جائزة الدولة التشجيعية)، ومتحف محمود مختار، ومتحف حبيب جورجى، ومركز الفن بالحرانية وهو مقر إقامته (نال عنه جائزة أغاخان الدولية في العمارة الإسلامية عام 1982) ، ومنازل خاصة عديدة بينها منزلا الفنانين آدم حنين ومحيى حسين بقرية الحرانية، بالإضافة إلى مسجد بقرية أبو رواش .
لقد حمل رمسيس ويصا واصف رسالته وارتبط اسم قرية الحرانية به ارتباطا وثيقا، اختارها كمكان يقيم فيه ويبدأ منه تجربته التعليمية الرائعة،وعلى اتساع حوالي خمسين ألف متر مربع خارج قرية الحرانية وبالقرب من أهرامات الجيزة ، شيّد رمسيس ويصا واصف مركزه الذى أطلق عليه مركز رمسيس ويصا واصف للفن، وقد بناه بخامات محلية وبمشاركة الفلاحين،وهى تجربة تعليمية فريدة في الحياة الثقافية والفنية فى مصر جعلت هؤلاء الأطفال يمارسون الفن بحرية فطرية وارتجالية تامة ومن دون تصميمات تحضيرية ، وتلك أحد أركان فلسفة العمارة والفنون عموما لدى رمسيس ويصا والتى لاحظها الفنان والناقد العبقرى صبرى منصور، إعطاء المساحات وفتح الفراغات بحثا عن حلول فنية ، فالمبنى فى رأى رمسيس ويصا قطعة من فن النحت ، يجب أن يأتي مكملا للطبيعة المحيطة لكي يكون جزءا من نسيجها ، فهو كائن حي قادر على التفاعل مع كل ما حوله ،.. كما كان يرى بأن مواد البناء يجب أن تكون محلية كى يسهل الحصول عليها ووتساعد فى تقليل تكاليف البناء، وحتى يمكن لكل إنسان أن يبنى وفقا لاحتياجاته لأن المنزل جزء من شخصية صاحبه واستجابة لمتطلبات حياته ،و حين أراد أن يبنى منازل لفنانى الحرانية العاملين معه فى مدرسة السجاد فإنه أعطى لكل واحد منهم قطعة أرض، وطلب منه أن يشكل منزل أحلامه، وكان دوره إيجاد الحلول المعمارية لرغبات كل فرد.
النحاس باشا وتحطيم السلاسل
الغريب أن رمسيس ويصا ـ كما يقول صبرى منصور ـ كان يقوم بنحت التصميم على مادة الصلصال قبل رسمه على الورق ، ويحضر تنفيذه خطوة بخطوة، وقد يغير أثناء التنفيذ ما هو مرسوم على الورق وفقا لإحساسه الفنى، إذ تعتمد فلسفة العمارة عند رمسيس ويصا على الفراغات والابتعاد عن الخطوط المستقيمة فى الممرات والأماكن غير المسقوفة، حتى لا يكون الهواء والضوء مباشرا حاداً ، فهو يتحكم فى كمية الضوء الداخلة للفراغ ، ولم يكن يتقيد بالنسب التقليدية المحفوظة للشبابيك والفتحات ، بل إنه كان يسخرها لإدخال القدر المطلوب من الضوء والهواء، هذا بخلاف اهتمامه بعنصر الخضرة فى أحواش المنازل، واعتمد فى عمارته على استعمال القبة والقبو ، فقد كان يرى فيهما امتدادا لشكل جمالى وفنى له جذوره فى العمارة العصرية، بالإضافة إلى فائدتهما في تكييف الهواء وجعله منعشا رطبا، ولقد أوجد حلولا للقبة بحيث يمكن بناء الدور الثاني والثالث فوقها، وعند انتهاء المبنى تكون القباب ظاهرة من الداخل فقط ، ويكون ظهورها من الخارج إذا أريد لها ذلك.